الجمعة، 2 يوليو 2010

عن فتنة الاسراء والمعراج


كل عام في مثل هذا الوقت نستمع في المساجد لقصة حادثة الإسراء والمعراج، ونعرفها كلنا كبيرنا قبل صغيرنا، ولكن منذ فترة يراودني سؤال غريب، هو لماذا هذا التوقيت بالذات؟

قبل أن أجيب على السؤال يجب أن أذكر شيئا هاما، هو أننا لا نقرأ السيرة للتسلية وللاستماع لقصص من سبقونا، ولا نقرأها لاستخراج العبرة والعظة كما يقولون، فهذا موجود في كل حكايات التاريخ، بل الأهم هو أننا نقرأ السيرة لكي نستخرج منها المنهج الإلهي أو المنهج النبوي، المنهج الذي يكمن فيما بين السطور، وبقراءتنا ودراستنا يمكننا استخراج هذا المنهج الذي هو صالح للتطبيق في أي زمان ومكان، وهذا يجب أن يكون الهدف الحقيقي من قراءتنا للسيرة.

نعود لسؤالنا الأساسي، فإن كتب السيرة تحكي لنا ظروف حادثة الإسراء والمعراج وما مر به الرسول صلى الله عليه وسلم من وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها، ووفاة عم الرسول أبي طالب الذي كان أكبر داعم له في قضيته، ثم ما حدث في الطائف، وكلنا نعرف هذه القصص أو يمكننا معرفتها بسهولة، وتروي لنا كذلك كتب السيرة حادثة الإسراء والمعراج بوقائعها التفصيلية، وبأن الرسول قد أسري به إلى المسجد الأقصى وما لاقاه في طريقه، وتحكي لنا عن البراق، وعن وقائع غريبة وعجيبة تقع في نطاق الغيبيات التي لا يدركها العقل بمحدوديته في أمر العروج إلى السماء، واللقاء الذي حدث مع رب العزة تبارك وتعالى وانتهى بفرض الصلاة، والكثير من الاحداث الأخرى.

ما أرغب في تناوله في هذا المقال، هو الظروف المتعلقة بهذه الحادثة، ففي هذا الوقت كانت الدعوة تمر بمحنة كبيرة، وقد توفي أبو طالب عم الرسول وسنده وركنه الشديد (الداعم الخارجي)، وتوفيت السيدة خديجة التي كانت تدعم الرسول معنويا (الداعم الداخلي)، وكانت الدعوة في مهدها، وربما في أضعف حالاتها، وفي حاجة لضم أتباع جدد، ومع ذلك نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد جاء قائلا أنه أسري به في ليلة واحدةإلى المسجد الأقصى، الذي كانوا يقطعون الطريق ذهابا إليه وأيابا منه في شهرين، ووصفه لهم في دقة شديدة، بل وزاد على ذلك بأن قال أنه عرج إلى السماء ورأى الملائكة والأنبياء بل والتقى برب العزة سبحانه وتعالى، وهو يعلم أنه سيلاقي من كفار مكة هجوما حادا، وعاصفة كبيرة من الاستهجان والسخرية، ووصل الأمر إلى أن ارتداد بعضا ممن آمن بالدعوة وعودتهم إلى معسكر الكفر.

وهنا يجب أن نقسم الأمر إلى مرحلتين، المرحلة الأولى هي مرحلة الإسراء، فمهما استغرب السامعين واندهشوا مما يسمعونه، ففي النهاية أن حادثة الإسراء كانت إلى مكان يعرفونه ويعرفون مواصفاته وكيفية الذهاب إليه، ويمكنهم مع الكثير من العسر فهم الأمر برغم غرابة وسيلة النقل (البراق) الذي لم يسمعوا عنه من قبل، وبرغم السرعة الرهيبة في الذهاب والعودة في أقل من ليلة، وكذلك بالنسبة للاتباع المؤمنين فيمكنهم تصديق الامر بكل سهولة، أما أن ننتقل إلى المرحلة الثانية التي فيها وصف كيفية المعراج والسماوات السبع ووصف الجنة والنار والملائكة بتفاصيل دقيقة، هذه المرحلة التي لا يمكن أن يراها إنسان أو يعرف مواصفاتها أو يستطيع الذهاب إليها، وفيها "مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، وأن يكون المصدر الوحيد هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، دون أي دليل مادي يدعم هذا الكلام، فتكون هذه المرحلة هي المرحلة الفاصلة في انتقاء الأتباع والمؤمنين الذين يؤمنون إيمانا مطلقا بكل ما جاء به الرسول وبكل ما سوف يجيء به مهما كانت غرابته أو بعده عن العقل،

النموذج المثالي في هذا الحدث هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فعندما أبلغ بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، كان رده فعله أن قال :" إن كان قال ذلك فقد صدق"، يعني إن كانت الرواية صحيحة وعن لسان الرسول حقا فأنا أصدق، هكذا وبدون أي تأويل أو تبرير أو التماس للأعذار،ولم يقل أبو بكر " لعله يقصد كذا أو كذا" ولم يناقش إن كان ما حدث أمر حسي أو معنوي.

وهنا يمكننا أن نستخلص الدروس من هذا الحادث:
- الدرس الاول هو: الاصطفاء، فالاصطفاء أمر ضروري في مراحل نمو الحركة الإسلامية، وأن قوة الأيمان بالفكرة هي معيار الاصطفاء، فما سوف تواجهه الحركة فيما بعد من محن وشدائد وفتن يحتاج نواة صلبة من الإيمان لا تنكسر أو حتى تخدش، وأفضل مثال تطبيقي لهذا الدرس الآية الكريمة: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"، فهذه المجموعة المصطفاة تتعرض لمحنة شديدة في حصار المدينة ومع ذلك فان ما يقال لهم لتخويفهم هو ما يزيدهم إيمانا، طبعا هذه الآية تحتاج إلى مناقشة مستفيضة وربما أفرد لها مقالا مستقلا فيما بعد.
- الدرس الثاني هو: أن النظر إلى القوة العددية للحركة الإسلامية لا يجب أن يكون هو الهدف، وأن ضم الأتباع الجدد لا يكون على حساب الفكرة التي يتم الدعوة إليها، ولا يهم عدد المؤمنين ولا عدتهم، وأن مرحلة الاصطفاء والانتقاء تقلل من نسبة المنافقين، وقد سمعنا عن ظهور المنافقين في عند قيام الدولة ونهوضها وانضمام عدد كبير من الاتباع، وقد تخلف ما يقرب من ثلث الجيش الإسلامي في احدى الغزاوت بدعوى المنافقين، وقد قال فيهم الله تعالى "لَوْخَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ"، أي ان اندساس عناصر غير مؤمنة بالفكرة ومخلصة لها بين المؤمنين قد تؤدي إلى هدم الحركة بكاملها.
- الدرس الثالث هو الايمان المطلق بالأمور الغيبية والتي أخبرنا بها الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم دون تأويل، أو محاولة رد بعض ما يخالفه العقل، هذا الأيمان هو من ثوابت العقيدة لا غنى عنه، ولا يجوز التنازل عنه بأي حال من الأحوال، حتى لو أدى ذلك إلى نقصان عدد الأتباع، أو بمعنى آخر هو عدم تقديم أي تنازلات فيما يخص العقيدة، حتى لو أدى ذلك إلى ابتعاد البعض عن الإسلام.

ليست هناك تعليقات: