الأربعاء، 9 يوليو 2008

العلمانية والنسبية

النسبية هي مبدأ لبعض العلمانيين الأقحاح الذين يفهمون العلمانية حقا، حيث يعتقدون أن كل شيء نسبي وأنه لا توجد حقيقة مطلقة أو ثابتة في الكون يتفق عليها الناس، فمثلا ما يقره مجتمع ما من أخلاقيات وعادات وتقاليد ويراها مناسبة له قد يراها مجتمع آخر من الفواحش، وما يعجبك قد لا يعجب غيرك، وما تظنه من حقك يظنه خصمك من حقه، حتى الدين الذي تؤمن به فهناك من يؤمن بدين آخر مخالف لمعتقداتك، بل هناك من لا يعترف بأي دين أصلا، , وأن مفاهيم مثل العدل والحق والجمال والخير والشر ليس لها تعريف محدد وأنها تختلف من مجتمع لآخر، وأنه بدلا من الصراع حول من هو الصحيح فلنعترف بمبدأ النسبية كي يمكننا التعايش سويا، ولينظر كل منا لمرجعيته على أنها ليست مطلقة وأنها تحتمل الخطأ وتحتمل الصواب لأن الحقيقة نسبية فلا توجد حقيقة مطلقة، وما يعتقده كل منا فهو صحيح من وجهة نظره

سوف أضرب مثالا بسيطا بنظرية آينشتاين بالرغم من أنها ليست المقصودة بالمقال ولكنها قد توضح الفكرة، يقول آينشتاين في نسبية المكان، لو كان هناك شخصا يسير فوق سطح مركب بسرعة كذا، فهذه هي سرعته بالنسبة للمركب وليست سرعته الحقيقية لأن سرعة المركب يجب أن تضاف إليها، كذلك الأرض تتحرك فيجب إضافة سرعة الأرض إلى سرعة المركب، ولكن سرعة الأرض هي أيضا سرعة نسبية نسبة إلى سرعة المجموعة الشمسية التي تدور حول مركز المجرة، بينما المجرة بكاملها تدور حول مركز الكون، إذن فيجب أن ننسب السرعات كلها إلى مركز الكون الذي هو المرجع الثابت، ولكن المشكلة الكبرى هي أن الكون نفسه يتسع إلا مالا نهاية فلا يمكن تحديد المركز ولذا فلا يمكننا تحديد المرجع الثابت والمطلق لأي سرعة أو مكان في الكون فتكون كل السرعات والأماكن نسبية

إن عجزنا عن إثبات مركز الكون لا يعني عدم وجوده، بل يعني محدودية العقل في مواجهة العلم "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"، كذلك فكرة نسبية كل شيء وعدم وجود مرجع ثابت تستخدم للتغطية على قصور العقل البشري وعجزه عن إيجاد تفسيرات لما لا يمكنه إدراكه خارج إطار الدين

إن عدم ثبوت حقائق مطلقة مثل العدل والحق والجمال والخير والشر سواء على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمعات تعني استحالة التعايش بين البشر، فلو اختلاف شخصان مثلا على صورة ما هل هي جميلة أم لا فالاختلاف هنا ليس حول معنى الجمال ولكنه اختلاف في مقاييس الشخصين حول الجمال، وعلى ذلك يمكن القول أن هناك اختلافا نسبيا يدخل فيه اختلاف المقاييس والأهواء والأمزجة واختلاف طبائع البشر وكن تظل هناك قواعد عامة مطلقة، ويبقى العدل عدل والحق حق، ويمكن تسمية هذا الاختلاف بنسبية النسبية
فنخلص إلى أن مبدأ النسبية المطلقة هو مبدأ متناقض في حد ذاته فالاعتقاد في النسبية المطلقة يعني بدوره وجود شيء مطلق أو ثابت وهذا يتناقض مع النسبية، ولكن يمكن القول أن النسبية موجودة ولكن بشكل نسبي