الثلاثاء، 4 أغسطس 2009

الإسلام والدولة الدينية

لاحظت أنه عندما تدور بعض المناقشات بين الكثير من الإسلاميين والعلمانيين استخدام بعض المصطلحات داخل النقاشات، وأشهر هذه المصطلحات : الدولة الدينية، فعندما يدور الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية وفكرة الدولة الإسلامية، تجد العلمانيين يرفضون الفكرة من حيث المبدأ بحجة أنهم ضد الدولة الدينية، والحقيقة أن هذا الموقف يعكس أمرين، الأمر الأول هو اسقاط النظريات الغربية على المجتمع المسلم اسقاطا أعمى دون النظر إلى الفرق بين المجتمعات وظروف تطورها وعلاقتها بالدين، ودون النظر إلى الفرق بين الإسلام والمسيحية من حيث التطبيق في نظام الحكم، والأمر الثاني هو الجهل بالمبادئ الأساسية في الإسلام ومفهوم الدولة فيه والقوانين الحاكمة بين الأفراد داخل المجتمع الإسلامي، بل وما يزيد الطين بلة هو النقل عن بعض الكتب التي تناولت هذه القضية وأشهرها كتاب "الإسلام وأصول الحكم " لعلي عبد الرازق الذي قيل أنه تراجع عنه فيما بعد، ويكون هذا النقل دون فهم ودون استعداد للمناقشة وكأن ما ذكر في هذه الكتب هو حقائق مثبتة لا مراء فيها، وكأنه لم تظهر عشرات الكتب الأخرى لمفكرين وعلماء لهم وزنهم ردا على هذه الأفكار، واذكر مرة عندما تناقشت أنا وصديق عزيز مع أحد الأشخاص في محاولة لإقناعه بفكرة جدل الإنسان في مقابل فكرة جدل المادة، وتطرق النقاش لبعض الأمور الفلسفية فكان هذا الشخص يقر النظريات الفلسفية الغربية إقرارا تاما ويرى أنها حقائق مثبتة، فكان يقر النظرية الوجودية التي تقول أن "وجود الإنسان أسبق من ماهيته" وكيف أنه يرى أن قائل هذه العبارة قد أثبت صحتها في حين أنه كان يرفض الرأي الآخر (الذي هو وجهة النظر الإسلامية)ويعتبره مجرد رأي، مع أن نظريته هذه مجرد رؤية من ضمن عشرات الرؤى الفلسفية الغربية وليست حقيقة علمية، ولكن رفض الفكرة الإسلامية نتيجة لقناعات مسبقة كان هو المسيطر.

نعود لمصطلح الدولة الدينية الذي هو موضوعنا الأساسي، فهذا المصطلح بمفهومه الغربي بما يحمله من عمق تاريخي وذكريات سابقة له خصوصية غربية مسيحية، ولا يتفق اطلاقا مع الإسلام، فالإسلام ليس فيه رجال دين يحتكرون التفسيرات، بل هم علماء يؤخد من كلامهم ويترك، ولا يعتد بكلام العالم من دون دليل من القرآن أو السنة أو القياس، والعلم الشرعي ليس حكرا على أحد، بينما في العصور المظلمة في أوروبا كان يحرم على المواطنين اقتناء نسخة من الكتاب المقدس، وقام رجال الدين بفرض سطوتهم على العلم وعلى السلطة وعلى كل شيء وحملوا المسيحية أكثر مما تحتمل، ولم تخرج أوروبا من أزمتها سوى بالتحرر من سطوة رجال الدين، وكل هذا ليس في الإسلام، ولكن للأسف يقوم البعض باسقاط التجربة الأوروبية بطريقة (قص ولصق) أو (copy, paste) دون أي فهم للفروق بين ظروف الديانتين وعلاقتهم بشئون الحياة.

فالإسلام ليس دينا للصلاة والصوم والحج وكفى، بل هو نظام شامل ومنهج متكامل للحياة، فهو يحدد مسئوليات الفرد والعبادات المفروضة عليه وحقوقه وواجباته، وفي نفس الوقت فهو ينظم العلاقات الحاكمة بين أفراد المجتمع بشكل يستحيل معه تطبيقها من دون دولة إسلامية تقوم بتطبيق الشرائع وحفظ الحقوق، طبعا ليس كلامي ذما في المسيحية، بل هو توضيح لمن يحاول تطبيق تجارب أمم أخرى وثقافات أخرى وديانات أخرى تطبيقا أعمى، فأني ادعوهم لدراسة الإسلام والشريعة الإسلامية ومعرفة المنهج الصحيح، وأن يجردوا أنفسهم من أي قناعات مسبقة تماما كما يفعلون في دراساتهم عن المناهج الغربية، وسيكون الفاصل بيننا هو الحق والمنطق الصحيح.

"بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق"